19 يونيو 2009
من التالي..؟!
تقرير-بدر بن غيث:
قبل 48 عاما من هذا اليوم التاسع عشر من شهر يونيو أنهى الشيخ عبدالله السالم الصباح أمير الكويت الراحل اتفاقية 1899 بين إمارة الكويت وبريطانيا، ويعلن بذلك استقلال الكويت واستكمال سيادته على أراضيه، ورغم مضي ما يقارب نصف قرن على هذا الحدث المهم في من تاريخ الكويت إلا أن الكويت لم تهنئ باستقلالها في ظل التهديدات التي تعرضت لها من قبل جار الشمال الذي كان يدعي دوما أحقيته في استعادة الكويت كجزء من العراق على مر التاريخ!!
تبدأ فصول حكاية الإدعاءات العراقية استنادا على علاقة الإمبراطورية العثمانية مع مشيخة الكويت وبقية الأقاليم التي كانت تدين بالولاء للإمبراطورية العثمانية لكونها دولة الخلافة أو الدولة المسيطرة على إقليم الحجاز، إلا أن هذا الإدعاء فشل في إيجاد أي دليل على تبعية الكويت للدولة العثمانية، فالعثمانيون كانوا يديرون شؤون الأقاليم التي تخضع لهم عبر تعيين الولاة الذين يفرضون على سكان الأقاليم دفع الضرائب والزكاة والجمارك وإقامة بعض الحاميات العسكرية إضافة إلى انخراط أبناء شعوب تلك الأقاليم للجيش العثماني، وهو ما لم يتحقق على الأراضي الكويتية، بل تشير المصادر التاريخية إلى أن الأراضي الكويتية كانت تابعة لبني خالد الذين فرضوا سيطرتهم على إقليم الإحساء على جنوب البصرة، وأسسوا (الكوت) الذي اعتبر نقطة تلاقي الهجرات العربية وغيرها لهذه المنطقة المطلة على شمال غرب الخليج ومن ضمن الهجرات هجرة العتوب التي ضمت بطبيعة الحال أسرة آل الصباح وآل الجلاهمة وآل الخليفه، ومن أن استقرت الهجرات بعد استئذان بني خالد حتى تشكلت بوادر "المشيخة" التي تطل على الخليج واتخذ سكانها من صباح بن جابر أول حاكم لها(1752م)على الطريقة العشائرية في تصريف أمورهم "الشورى"، وتولى بعد ذلك أبناء هذه الأسرة تصريف شؤون المشيخة التي ذاع صيت أهلها الذين تميزوا بالتجارة وصناعة السفن وبالاستقرار السياسي.
ومع تخطي بعض الصفحات من تاريخ الكويت تتوقفنا صفحة فترة حكم الشيخ مبارك بن صباح(1896-1915)، حيث طلبت الإمبراطورية العثمانية من الشيخ مبارك حماية حدودها البحرية في الخليج من أعداءها في الضفة الشرقية من الخليج، وهو ما تم وعلى أثره منحت الدولة العثمانية بعض أراضي البصرة كهدية للشيخ مبارك، كما أن توقيع الشيخ مبارك لاتفاقية 1899 مع الحكومة البريطانية وهو ما عر باتفاقية الحماية، تعني أن الكويت كان كيانا سياسيا مفصولا عن إقليم العراق الذي كانا تابعا للإمبراطورية العثمانية، وللكويت سيادتها في توقيع أي اتفاقية، ونستذكر هنا قصة سعي ألمانيا لمد خط سكة الحديد (برلين-اسطنبول-البصرة-الكويت) حيث زار الكويت وفدا من الخبراء الألمان والعثمانيين الشيخ مبارك الذي رفض العرض المغري، وهو دليل على عدم التبعية فلو كانت الكويت تابعة لما انتظر العثمانيين موافقة الشيخ مبارك لإنشاء سكة الحديد، وفي عام 1913 قامت كل من بريطانيا والإمبراطورية العثمانية بتوقيع اتفاقية 1913 اعترف فيه الطرف الثاني (العثمانيين) بحدود الكويت كما اتفقت صراحة باتفاقية 1899 بين الكويت وبريطانيا، وبعد اختفاء الإمبراطورية العثمانية كنتيجة من نتائج الحرب العالمية الأولى(1914-1918) تقاسمت بريطانيا وفرنسا معظم الأراضي التابعة للإمبراطورية المنهارة ضمن ما يعرف باتفاقية سايكس بيكو 1916، حتى وقع العراق ضمن سيطرة الانتداب البريطاني بينما ظلت الكويت محتفظة بكيانها.
أما الفصل الثاني من الادعاءات العراقية كانت في عهد الملك غازي الذي اعتبر الكويت مجددا جزءا من مملكته من خلال بثه لخطابات إذاعة قصر الزهور بمعية رئيس الديوان الملكي العراقي رشيد الكيلاني، واللافت للنظر في تلك الفترة هو مراسلات العراق للمعتمد البريطاني بعد دخول العراق لعصبة الأمم والتي لم تسمح بعضوية العراق إلا في حال أنهى ترسيم حدوده مع جيرانه، ومن ضمن المراسلات غير المباشرة بين الشيخ أحمد الجابر حاكم الكويت(1921-1950) وبين المعتمد البريطاني الذي جاءه الطلب العراقي على ضرورة ترسيم الحدود بينه وبين الكويت، وتمثل فترة الثلاثينات من القرن الماضي في منطقة الخليج فترة اكتشاف حقول النفط، وسعى نوري السعيد رئيس الحكومة العراقية في عهد الملك فيصل الثاني لضم الكويت عبر الدعوة لانضمام الكويت لما يعرف بحلف بغداد تارة ومرة أخرى دعوة الكويت للانضمام للاتحاد الهاشمي تارة أخرى، إلا أن كل هذه المحاولات فشلت مع تعاظم ثروات الكويت، وتجدر الإشارة إلى أن كل من الملك غازي توفي في ظروف غاضمة إثر حادث السيارة الشهيرة والتي يقال بأنها كانت محاولة اغيتال تم تدبيرها، كما أن نوري السعيد تم اغتيال أثر انقلاب تموز 1958 والذي قاده عبدالكريم قاسم والذي أطيح بحكمه فيما بعد، بانقلاب عبدالسلام عارف والذي هو الآخر اغتيل في حادثة سقوط طائرة هليوكوبتر، وتولى بعده شقيقه عبدالرحمن عارف الذي أجبر على التنحي عن الحكم لمصلحة البعثيين بقيادة أحمد البكر الذي تولى رئاسة الجمهورية العراقية حتى اضطر التخلي عن الحكم لصدام حسين الحاكم الفعلي للعراق، والذي حكم العراق بالحديد والنار حتى شاء القدر أن يخلص العراق منه بمحاكمة شهيرة انتهت باعدامه.
أما الفصل الثالث من الإدعاءات فجاءت بعد إنهاء الكويت لاتفاقية 1899، وتحديدا في تاريخ 19 يونيو 1961 حيث أنهى الشيخ عبدالله السالم الصباح الاتفاقية ووقعت على أثرها اتفاقية حماية حقيقية مع بريطانيا التي لم تعد كما كانت قبل الحرب العالمية الثانية، وبعد أقل من أسبوع أعلن عبدالكريم قاسم في مؤتمره الصحفي مطالبة بضم الكويت للعراق استنادا على إدعاءات باطلة تاريخيا، ليخرج الشعب الكويتي للشارع ملتفين حول قيادته في مشهد يعد تجديدا للولاء للحاكم وللكيان السياسي، بل أن الشيخ عبدالله السالم طالب بريطانيا بتنفيذ بنود اتفاقية 1961 حيث أرسلت بريطانيا أسطولا بحريا وجنودا للأراضي الكويتية، في حين عارض عبدالكريم قاسم استقلال الكويت في جامعة الدول العربية، وانتهت الأزمة بمساندة الدول العربية الكويت بشريطة سحب القوات الأجنبية واستبدالها بقوات عربية مشتركة وهو ما تم فعله، وبعد ذلك دخلت الكويت لجامعة الدول العربية كعضو معترف به وكذلك لعضوية هيئة الأمم المتحدة.
في حين يبدأ الفصل الرابع ولا أتصور بأنه الأخير فيتمثل في الاحتلال العراقي للكويت 2 أغسطس 1990، والذي سبقه حادثة مركز الصامتة الحدودي 1973، وبالعودة للاحتلال العراقي والذي يعتبر الاعتداء الصريح على الأراضي الكويتية والذي استمر سبعة شهور، تضمنت انتهاكات وتدميرا شبه شامل للبنية التحتية إضافة إلى حملات التقتيل والفتك بالكويتيين الصامدين في الكويت، هذا إضافة إلى تدمير البيئة بحرق آبار النفط.
وقبل أسابيع من هذه الذكرى الغالية مازال في العراق من يحن لتلك الإدعاءات، غير مقتنعا لا بالتاريخ ولا بالشرعية الدولية ولا بجهود الكويت في نقل العراق وشعبه من النظام البعثي الديكتاتوري إلى نظام يعتمد على الديموقراطية التي تدخل العراق لأول مرة منذ قرون.
ويبقى السؤال هل يمكننا أن ننهي حكاية الإدعاءات العراقية أو ما يمكن اعتباره بالأطماع، أم أن فصول هذه الحكاية لم تنته بعد؟!
ملاحظة: اعتمدت الكويت تاريخ 25 من شهر فبراير يوما وطنيا بديلا عن تاريخ 19 من يونيو، تقديرا وتكريما للشيخ عبدالله السالم الذي تولى الحكم في تاريخ 25 فبراير1950.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
هناك تعليقان (2):
شعب طول عمره ما راح يتوفق لا من رئيسه و لا من شعبه
حسبنا الله و نعم الوكيل
مستر ككاو
تدري ان خطة تحرير العراق عام 2003 هي ذات الخطة اللي استخدمها الاسكندر المقدوني في محاربة ملك فارس دارا
إرسال تعليق