04 سبتمبر 2008

مذكرات طالب جامعي - الحلقة الثالثة


زيارة خاصة

كانت لحظات حرجة تساوي دقائق خطرة من أجواء المباراة، أحسست وقتها أن الحلم لم أعد أستحق أن احلم به على الأقل، ضاع كل شي هذا هو الواقع نعم حاولت لكن لكل مجتهد نصيبه، بدأت استعيد لحظات الفرح والنجاح وكلمات الإشادة والتي لطالما سمعتها من الذين من حولي، يومها رجعت إلى غرفتي أبكي بصمت كانت خيبتي بنفسي كبيرة، جدران الغرفة لم تتسع لها ورحت أحطم وأمزق أي مجلة أو قصاصة صحيفة احتفظت بها تضم أخبارا رياضية، وكذلك الحال للتذكارات التي اعتبرها من كنوزي الثمينة، جلست منتظرا صلاة العشاء لعلها فرصة للهروب من الفشل الذي أعيشه، بعد الصلاة اتصل بي احد الأصدقاء طالبا مني أن أذهب معه لزيارة صديق له وقريب في ذات الوقت أصيب في حادث سير وهو موجود في بيته الكائن في ذات المنطقة، توجهت معه وسط ترحيب أهل البيت بنا فنحن أول الزائرين لابنهم وجلس معنا والد هذا الشاب الذي لا أعرفه، كان قليل الكلام لكن عيناه تكلمت كثيرا، كأنه كان يقول لي أو تقول عيناه أعلم من أنت؟ أنت صاحب الحلم الذي ينتظر الجميع أن تحققه..أراك تستطيع تحقيقه اصبر وتحمل ما فاتك فما بعد الليل إلا الفجر وطلوع الشمس مجددا، وبعد عودتي رحت أرتب الغرفة التي دمرتها بنفسي مثلما أحسست بأني سأدمر حلمي والداي، فكلما تذكرت نظرات ذلك الأب أتذكر أبي أتذكر ما يجب أن أفعله.

الأيام الثلاثة

كنت في غرفتي أحاول النوم فاليوم التالي بداية فترة الاختبارات النهائية، رغبت في تشجيع نفسي ورحت في ممارسة رياضة المشي في ممشى المنطقة، والكل يعلم كم يرغب الناس في ممارسة هذه الرياضة في شهر رمضان على وجه الخصوص!!، وبعد عودتي وانتظاري لوجبة الإفطار، قمت باحتساب المعدل التراكمي ووضعت كافة الاحتمالات، وظهرت أمامي بقعة أمل في تخطي هذه المباراة والفوز ببطاقة خوض الحلم الكبير، كان علي أن أنجح في كافة المواد خاصة العلمية وبمعدل لا يقل عن جيد، سعيت في ذلك وحققت في المواد الاختيارية الثلاث درجة "ممتاز" ولم يتبق سوى مقررين فقط، بالنسبة لمقرر الكيمياء قدمت اختبارا جيدا وأخبرني معلم المادة إنني أبليت بلاءا حسنا وعليّ ألا أخشى درجتها، أما الفيزياء فأمامي ثلاثة أيام كانت من أصعب الأيام التي أذكرها، لا أذكر بأني أضعت وقتي في اللعب أو الراحة كنت أمضي معظم الوقت في السرداب.

ليلة الاختبار

بدأت الساعات المتبقية على موعد اختبار الفيزياء تمر بسرعة لم أشعر بها، رحت أفكر ماذا يمكن أن أفعله غدا، ماذا لو كان الاختبار صعبا؟..هل يمكنني النجاح على الأقل أو أستطيع تحقيق درجة تسمح لي بدخول جامعة الكويت؟ وفكرت بصراحة ولا أخشى أن أقولها كاعتراف مني أنني فكرت في "الغش"، أمسكت بالآلة الحاسبة وكتبت على غطاءها البلاستيكي من الداخل بالقلم الرصاص، كتبت كافة ما استطيع كتابته من معادلات وقوانين أعتقد بأني بحاجة لها في الاختبار، وفي صباح اليوم التالي دخلت المدرسة باحثا عن مكان دافئ فالجو كان باردا قارصا وشهر رمضان كان يمنعنا من تناول الطعام والشراب الدافئ، اخترت الجلوس في صف وجدت بابه مفتوحا، رحت أراجع وأراجع المذكرة التي أعددتها بنفسي، حتى اقترب أحد الزملاء وقال ..

-بدران .. شقاعد تسوي ترا بلشو؟

بدأت ألملم أوراقي ورحت أخطو باتجاه المسرح "قاعة الاختبار"، وهناك توقفت أنظر للوحة إعلانات سبق وشاهدتها مرارا وبشكل شبه يومي طيلة فترة الاختبارات، كتب عليها إحدى الآيات القرآنية التي تشير إلى الحلال والحرام، شعرت بأن هذه الآية موجهة لي، شعرت بأن ما اقترفته من محاولة للغش ستكون عواقبها وخيمة!!، أسرعت في مسح المعادلات والقوانين حتى اتسخت راحة يدي بالرصاص، دخلت المسرح وفي طريقي للمكان المخصص للاختبار سمعت الزملاء يتهامسون بأن بعضهم يملك "براشيم" وبالإمكان الغش من بعضهم البعض، في الحقيقة انزعجت من نفسي وتوجهت لأحد المراقبين وطلبت منه أن أجلس في أول المقاعد، استغرب من طلبي لكنه سمح لي.

جلست على الطاولة وأمسكت بالاختبار ورحت أغطس بين أسئلته، لم انظر للساعة أو أرفع رأسي إلا بعد إحساسي بألم بسيط في رقبتي، التفت ورائي وجدت أني الطالب الوحيد الجالس في المسرح وحولي الملاحظين، سألت احدهم..

-أستاذ خلص الوقت؟
-لا لسه ربع ساعة.

ماذا أمضيت ساعتين أجاوب على الاختبار، كيف ذلك وأنا عادة لا أجلس أكثر من ساعة في أي اختبار مهما بلغت صعوبته، في الحقيقة كانت عيناي مليئة بالدموع لم يتمكن الجو البارد من تجميدها، سلمت الاختبار للملاحظ القريب مني وقال لي..

-اذا عاوز وقت زيادة ممكن مافيش مشكلة؟

ابتسمت في وجهه وخرجت من القاعة التي بدت أطول مما كانت عليه حين دخلتها، خرجت من المدرسة ومشيت بطريق سيارة والدي الذي كان بانتظاري، أخذني وعدت للبيت لم أجلس في الصالة كما جرت العادة للحديث مع والدتي حول ما شاهدت وجرى في قاعة الاختبار، بل توجهت لغرفتي في الطابق العلوي، قفزت على السرير ورحت أحاول النوم للهروب من الساعات المتبقية لإعلان النتيجة، فحسب الطريقة المتبعة في المدرسة كانت إدارة المدرسة تستعجل في إعلان نتائج الطلبة المتوقع تخرجهم في أقرب وقت حتى يتسنى لهم تسلم الشهادة وتصديقها، والانطلاق في رحلة الحياة ما بعد الثانوية.




يتبع غدا...

ليست هناك تعليقات: