صدفة مزعجة!
استيقظت من النوم ولا اعلم كيف نمت، نهضت ونزلت لتناول وجبة الإفطار أكلت بسرعة ومن دون نفس، وعاودت الرجوع لغرفتي صليت ما فاتني من صلوات، أحسست بعدها برغبة في البكاء، كانت تلك الليلة أول ليلة لا أدرس فيها منذ بداية الفصل الدراسي أمضيتها بالدعاء وقراءة القرآن، لم أستطع النوم رغم شعوري بالتعب اعتبرت ذلك اليوم صفحة ثقيلة لا تنطوي بسرعة، وفي صباح اليوم التالي توجهت للمدرسة دخلت لصالة التربية البدنية حيث هناك توزع درجات الطلبة الخريجين، وقفت بالطابور وأمامي أربعة زملاء جمعت الصدفة أنهم معي بذات المقرر "الفيزياء" ومعي لدى ذات المرشد العلمي والصدفة الأكثر غرابة أن جميعهم اسمهم الثنائي "بدر ناصر.."، كان أول من يقف في الطابور طالب مهمل في كافة المقررات ولا يعنيني ما إذا نجح أو لا، وفعلا قال المرشد بأن عليه التسجيل في الفصل القادم بمقرر الفيزياء، أحسست بأني سأنضم له في التسجيل، أما التالي فكان طالبا مجتهدا لطالما كان يفاجئني بنجاحه بدرجة هو نفسه لا يتوقعها، أعلن عن نجاحه ومر بجانبي وباركت له مكتفيا بالابتسامة بوجهه، أما الطالب الذي أقف خلفه مباشرة كان برفقة والدته، أعلم أنه ناجح في اختبارات الفترات، وما أن قال المرشد اسمه حتى كدت أن أتوجه للمرشد بدلا من صاحب الدور نظرا لتطابق الاسم، وقال إن عليه التسجيل في المقرر في الفصل القادم!!
نجح واحد فقط ورسب اثنان وجميعهم بصراحة "أشطر" مني، استسلمت لمخيلتي وقلت للمرشد ...
-استاذ متى اقدر اسجل الفيزياء حق الكورس الياي؟
-انت يا بدر عاوز تدخل كلية ايه؟
-استاذ أي كلية؟!
-انت مش عاوز تدخل الجامعة؟
-وين استاذ وانا ساقط بالفيزيا المعدل ما يسمح؟
-انت متشائم كده ليه؟!
سلم لي ورقة الدرجات دونما انظر إليها، وابتسم بوجهي عرفت أنه يحاول تخفيف خسارتي للحلم الذي ضاع، حينما نظرت للورقة قرأت درجاتي ناجح في كافة المواد وهذا ما اعرفه سلفا، أما الفيزياء فحصلت على .... ماذا؟!.... نجحت بدرجة جيد! بسرعة بحثت عن المعدل التراكمي وتفاجئت بارتفاعه، حصلت درجة معدل "جيد" مما يعني أن باستطاعتي التسجيل في الجامعة، من فرحتي تركت الصالة وودعت المرشد العلمي وتوجهت بسرعة البرق كأنني أقفز لاستلام "روب التخرج" سمعت كلمات المباركة من هذا وذاك، خرجت من المدرسة حتى أنني اجتزت سيارة والدي، رجعت له وتوجهنا للمصور حتى أحصل للصور المطلوبة لاستكمال متطلبات إتمام أوراق التخرج.
عدت للمنزل والفرحة قد تفجرت من فمي، الجميع فرح معي والدتي ضمتني بقوة شعرت بأني طفل صغير، أما والدي فقبلت جبينه، بارك لي وقال اليوم أنا أكثر رجل يفخر بابنه، لقد رفعت رأسي عالي حلمي تحقق وقال..
- انا استانس لما ينادوني "بوبدر" بس من اليوم وطالع راح يكون لا
- ها طعم ثاني، شد حيلك اكثر ابيك تكمل وترفع راسنا اكثر واكثر وانت شايل شهادة الجامعة بايدك.
في الحقيقة لم أستطع الرد عليه، وسريعا قبلت جبينه مجددا واكتفيت قائلا..
-ان شاء الله يبه..
حفل التخرج
تقرر أن يكون الموافق 12 يناير 1999 موعدا لحفل التخرج، وبعد صلاة التراويح وصلت للمدرسة، دخلتها وأنا أشعر بالفخر لأني حققت حلمي وهناك وجدت الزملاء والمعلمين ومنهم المعلم أ.يحيى إمام معلم اللغة العربية، الذي كان واضحا عليه الحيرة في أمره وسألته..
-أستاذ يحيى شفيك؟ تامر علي شي؟
-اهلا بدر تعال انا عوزك ضروري ضروري؟
-أستاذ آمرني؟
-بص يا بدر فاكر لما كنت معانا بإذاعة المدرسة ومكنش في حد يقرأ القرآن، وخليتك تقرأ القرآن الكريم؟
-ايي استاذ اذكر انزين؟!
-انا عاوزك تقرأ القرآن في حفل التخرج؟
- انا ؟!
-اصل الطالب اللي كان حيقرأ القرآن سافر النهرده؟ وبصراحة مفيش حد وانت الطالب الوحيد اللي اعرفه "خوش" واحد تعرف تقرأ؟
-بس انا صوتي تعبان..ما انفع؟!
-انت كويس وراح يكون صوتك جميل ان عرفك.
في الحقيقة كانت الصدمة الكبيرة بالنسبة لي، فوالدتي التي لطالما كانت هي المسؤولية عن تدريسي لمادة التربية الإسلامية في المرحلة الابتدائية والمتوسطة، كانت تعلم أن صوتي "ضعيف" بالكاد يسمع، وأبي كذلك يعرف ذات الأمر بالإضافة إلى أني غير مستعد للوقوف أمام الجمهور، على الرغم من أني كنت مشاركا كعضو في فريق "حرس العلم" وكثيرا ما وقفت في منتصف الساحة ورددت تحية العلم، وبالمناسبة كان معي الزميل الأخ العزيز علي خاجه، وكنا ضئيلي الحجم مقارنة ببقية الطلبة إلا أننا كنا نتبادل تحية العلم في كل أسبوع.
أعود للأستاذ يحيى إمام الذي قدم لي المصحف الشريف، واختار لي أن أقرأ من سورة العلق، وأخذ بيدي ليوصلني لمنصة العريف فوق خشبة مسرح المدرسة، وبدأ الضيوف والجمهور بالتوافد والطلبة الخريجين جلسوا في أماكنهم فيما عداي أنا وممثل الطلبة الخريجين الذي كان بجانبي يحاول قراءة الكلمة التي سيلقيها، وبعد النشيد الوطني علم الحضور باسم القارئ الذي سيقرأ من الذكر الحكيم وهو الطالب الخريج "بدر ناصر محمد بن غيث"..لحظات تثاقلت فيها قدماي للوقوف خلف منصة العريف، وقرأ ما تيسر من سورة العلق، وطيلة قراءتي كنت أبحث عن والدي إن كان يراني، وجدته مبتسما يجلس مفتخرا، أحسست بأن المكان مظلم فيما عداه بقعة ضوء مسلطة عليه.
وخلال توزيع شهادات التخرج كان جميع الطلبة يتسلمون الشهادة بعد صعودهم ومصافحة راعي الحفل وبقية طاقم التكريم من اليمين إلى اليسار، ولأني كنت على خشبة المسرح ولم أستطع النزول، وبعد مناداتي خرجت مرتبكا فقمت بمصافحة طاقم التكريم من اليسار إلى اليمين "عكس السير"، كانت لحظة حرجة مضحكة لم احسب حسابها.
يتبع غدا....
هناك تعليقان (2):
اليوم الصبح قاعده مبجر وحدي فاضيه ما بقى مدونه ما مريت عليها لين وصلت عندك أخوي :]
وفيني عاده إذا قريت أكثر من بوست بالمدونه وعجبني الإسلوب أقرى البوستات الي طافت كلها :)
قرييت مذكرات طالب جامعي ..عجبني الإسلوب وايد لان واقعي .. لان حسييت جنك تتكلم عني !! نفس الأحداث تقريبا ..
صج يمكن مو متخرجه ينة 1999 وعقبكم بوايد بس ما تغير شي !!
ناطره التكمله ...
يعطييك العافيه اخوي وعساك على القوة
السلام
شكرا على قراءتج المذكرات اللي كانت فكرة خفت اقدم عليها لكن بعد قراءتي لمذكرات د.أحمد الخطيب وانصاتي لنصيحة الفنان التشكيلي محمد الشيباني اللي قال لازم كل انسان يكتب مذكراته ويسجلها ويحتفظ فيها ويهديها لشخص اخر يتعظ منها ..
نعم كل انسان عنده تجاربه الخاصة جايز ما تعنيني التجربة لكن تعنيني القيمة اللي فيها
في الحلقات القادمة مفاجآت كثيرة..
إرسال تعليق